.

الأربعاء، يوليو 03، 2013

مملكة المونوبولي

من منا لا
   يتذكر  لعبة
مونوبولي (monopoly)

المونوبولي، حيث يبدأ مجموعة من اللاعبين بمبلغ مالي متساو، ويختار كل لاعب مركبته التي يتنقل فيها على لوح اللعبة، ليبدأوا بعدها برمي النرد لتحديد عدد خطواتهم، فإن كان اللاعب محظوظا وقع على الأراضي الثمينة واشتراها قبل أن يحصل عليها غيره من اللاعبين. ما يحدث دائما.. أن من يحالفه الحظ في بداية اللعبة ويتمكن من  شراء الأراضي الاستراتيجية يفوز بالنهاية، بل أن ما يحدث في النهاية أن بقية اللاعبين يفلسون تماما، وتتكدس الأموال الوهمية بكاملها لدى اللاعب الفائز، وذلك لأن الإيجارات من بقية اللاعبين تتراكم لديه وتتزايد ثروته، ويعجز بقية اللاعبين عن دفعها ليبدأوا ببيع ممتلاكتهم في المزاد ليتمكنوا من دفع المستحقات التي عليهم. مونوبولي كلمة إنجليزية تعني (الإحتكار)، وقد سميت اللعبة بذلك رغم أن الجميع يبدأ بنفس المبالغ المالية وتنطبق على جميع اللاعبين نفس القوانين من دون تمييز.

لنتخيل الآن أن قوانين اللعبة تغيرت، وحصل كل لاعب على مبالغ مختلفة بناء على أصله، فإذا كنت من منطقة نجد أو القصيم مثلا، فانك تحصل على 5 آلاف، وإن كنت من أهل الجنوب تحصل على 3 آلاف، اما اذا كنت من أهل الشمال فالغالب أنك ستبدأ اللعبة من دون أي مبالغ، وانما كل ما عليك فعله هو ان تدفع للملاك إيجارات وقوعك في عقاراتهم  . ولكن لا تحزن ان كنت من الشمال فقد يتكرم عليك أحد ملاك العقار أن تعمل لديه مقابل إعطائك حق المرور على عقاراتهم بقيمة مخفضة. وبعد أن يتم توزيع المبالغ بشكل غير متساو، وقبل بدء اللعب، يتم توزيع بعض المخططات مسبقا، وطبعا معايير التوزيع تتحدد بناء على جنسك ونسبك. الآن.. أصبح الجميع مستعدا لبدء اللعبة…
واذا كانت اللعبة بقوانينها الأصلية سميت ب(الإحتكار). فلا أعرف ما هي التسمية المناسبة للعبة بعد أن تغيرت قوانينها وأصبحت بهذا
الشكل، وسأترك ذلك لخيال القاريء.

تصريح نائب وزير الشؤون القروية والبلدية عن إحتكار الأراضي
قبل بضعة أسابيع صرح نائب زوير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب بأن الوزارة لن تدرس سن قوانين لإجبار ملاك الأراضي البيضاء على بيعها أو استثمارها، وأردف بأننا في دولة ديمقراطية ولن نرغم مواطنا على بيع أرضه مهما كانت الأسباب. المصدر

سؤالي لمعالي نائب الوزير: لو تم إكتشاف حقل نفط تحت أراض مملوكة لفرد، هل سيتم تركها لمالكها؟ أم سيجبر على بيعها للدولة، بالتأكيد سيجبر على بيعها. ولو كان للدولة مشروع حيوي يمر على أراض مملوكة لأفراد، فهل سيتم إجبار أصحابها على بيع الأراضي أم لا؟ بل لو كان المشروع يمر على حي سكني به عشرات المنازل، فهل سيتم إخراج السكان من منازلهم وإجبارهم على بيعها أم لا؟ الجواب المعروف أنه سيتم إجبارهم على بيع منازلهم والخروج منها. ولا أجد في ذلك إشكالا، لأن المصلحة العامة للوطن والمواطنين بشكل عام أهم دائما من مصالح الأفراد.

فاذا كانت الحكومة تجبر ملاك الأراضي البيضاء من الأفراد على بيعها حتى إن كانوا ينوون استخدامها لغرض شخصي، ويجبرون سكان المنازل على الخروج منها وبيع منازلهم، فالأولى أن يتم الضغط أو إجبار أصحاب الأراضي البيضاء شاسعة المساحة على بيعها، تلك الأراضي البيضاء التي لا تضيف أي قيمة إقتصادية للوطن، ولكنها على العكس من ذلك فإنها تدمر الإقتصاد، وترفع تكاليف المعيشة بكل جوانبها، وتشكل عائقا كبيرا في عجلة النمو الإقتصادي، كما تشكل ظلما كبيرا لذوي الدخل المحدود والمتوسط، الذين يستعصي عليهم شراء قطعة أرض سكنية صغيرة يبنون عليها بيت العمر.

ووقع الظلم يكون أشد وطأة عندما نعلم أن نسبة كبيرة من تلك الأراضي البيضاء لم يحصل عليها ملاكها بعرق جبينهم، وإنما هي منح حكومية أو ملكية لم تكلف مالكها ريالا واحدا. أو تم شراؤها من عشرات السنين بأثمان بخسة وتركت على حالها من دون الاستفادة منها أو استثمارها، أو حتى ترك الآخرين يستفيدون منها.

حقيقة الإتجار بالأراضي والاقتصاد الحر
إن الأراضي المخصصة للسكن هي سلعة أساسية، مثلها مثل الكهرباء والماء، وقد يكون إمتلاك المنزل الخاص هو العمود الفقري للحياة الكريمة والمستقرة، وكما أن إحتكار المواد الغذائية وغيرها من المنتجات الضرورية والتحكم في أسعارها جريمة يعاقب عليها القانون، رغم إمكانية إستيراد نفس المنتج من مصادر أخرى، فإن إحتكار الأراضي البيضاء هو إحتكار أشد وأكبر ضررا لأنه يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على جميع النشاطات الإقتصادية بدون استثناء، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال (إن نستورد) أرضا من الخارج لنوازن بين العرض والطلب أو نستثمر للننتج أراض جديدة، فالأرض ليست (سلعة للمتاجرة والتربح) لأنها مورد طبيعي محدود، وبالتالي فإن التحجج بحرية الملكية والديموقراطية أمر لا يمكن قبوله، لأننا بذلك نرهن مصير المواطن وأجيال المستقبل في يد طرف لا يهمه إلا الربح المادي.

ولو تساءلنا بشكل إفتراضي: لو أن رجلا شديد الثراء قرر شراء جميع الأراضي البيضاء في السعودية، واستطاع أن يشتريها فعلا، ثم أمتنع عن بيع اي ارض منها، ولم يجد الناس أرضا يسكنونها (على الإطلاق)، فهل ستترك الحكومة هذا التاجر من دون مساءلة أو عقاب؟ هل سنقول أن حرية الإقتصاد وحرية الملكية تكفل حماية هذا الشخص وأملاكه وعدم إجباره على بيع أراضيه؟ لا أعتقد ذلك. ورغم أن هذا السيناريو إفتراضي إلا أنه يطابق بشكل كبير الواقع الذي نعيشه، الفارق الوحيد أن من يحتكر هذه الأراضي هم مجموعة من الأثرياء وليس ثريا واحدا، وقد لايزيد عددهم عن بضع مئات، مقابل ملايين الأسر التي تحاول شراء أرض صغيرة.

بالإضافة الى أن العقل والمنطق لا يقران إجازة احتكار الأراضي وربطها بالحرية الإقتصادية، فإن جميع أنظمة الدول (المتقدمة) والدول الأكثر رأسمالية وانفتاحا اقتصاديا تفرض ضرائب كبيرة على ملاك الأراضي وعلى رأسها أمريكا وجميع الدول الأوروبية، حتى أنك لا تكاد تسمع بتجارة (الاراضي البيضاء) في هذه الدول لانها غير مجدية لأي مستثمر.

كما أن أكثر المفكرين الاقتصاديين تحررا كميلتون فريدمان Milton Friedman، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وهو الأب الروحي لليبرالية الاقتصادية، والذي يعارض جميع أشكال الضرائب، يقر أن ضريبة الأراضي لها منافعها وانها في الواقع تسهم في تحريك الاقتصاد ونموه.

ولا اعتقد أن هناك أي مفكر أو خبير اقتصادي يمكنه إثبات فائدة واحدة لامتلاك الاراضي البيضاء الغير مستثمرة. فتجارة الأراضي واحتكارها لا تمت للاقتصاد الحر بأي صلة، فالاقتصاد الحر يهدف لتنشيط الإبداع والتنافس، وبالتالي زيادة الإنتاجية وتخفيض الأسعار، فأي إبداع في شراء الاراضي والبيضاء وتركها لعشرات السنين حتى ترتفع أسعارها؟

الآثار السلبية لاحتكار العقار وارتفاع اسعار الأراضي
قد يعتقد البعض أن تأثير ارتفاع أسعار الأراضي يقتصر على زيادة تكلفة إمتلاك منزل، والتي قد تصل ل30 % من التكلفة الإجمالية. رغم أن هذا الأثر السلبي خطير ويؤثر على غالبية شرائح المجتمع، إلا أن علينا ان نعرف أن آثار ارتفاع أسعار الأراضي لا تقتصر على هذا الجانب، فارتفاع الاراضي يزيد أسعار إيجارات الشقق لأن صاحب العقار دفع مبالغ طائلة لامتلاك الأرض، وبالتالي فعليه رفع أسعار الإيجار لتغطية تكلفة الأرض، وقد وصل ما ينفقه المواطن لدفع إيجارات مسكنه لأكثر من 30% من دخله، ويتوقع أن يصل هذا الرقم الى 50% من دخل المواطن خلال السنوات القليلة القادمة، كما أن ارتفاع اسعار الأراضي يرفع أسعار السلع ومبيعات المتاجر، لأن التاجر يجب أن يضع في حسبانه تكلفة إيجار المحل وستقع هذه التكلفة على كاهل المستهلك بالتأكيد، كما أن إرتفاع أسعار السكن والإيجار، يؤدي إلى زيادة رواتب جميع الموظفين في كل الشركات سواء السعوديون أو الأجانب، وهذه الزيادة تنتقل لأسعار الخدمات والمنتجات التي تنتجها هذه الشركات، لتقع بالنهاية على كاهل المواطن.

إحتكار العقار في الشرع
جاء الإسلام بالإعتراف بالملكية الخاصة وحمايتها، لما في ذلك من منافع عديدة على الاقتصاد والأفراد. كما أن الإسلام شرع الحرية في التجارة والاقتصاد، ولكنه في الوقت ذاته لم يطلق يد التجار للتحكم بمصائر الناس وأقواتهم، فقد حرمت الشريعة الإحتكار، واحتكار الأراضي البيضاء أحد ابشع صور هذا الإحتكار وأكثرها أذى على الناس.

وفي السيرة الكثير من الشواهد التي تدل على حرمة احتكار الأراضي، ففي بداية الرسالة النبوية، كانت القبائل القوية تحتكر مساحات شاسعة من الأراضي كانت تسمى بالحمى، وتمنع الآخرين من الاستفادة منها، وبعد أن قويت شوكة الإسلام في الجزيرة العربية، سحب الرسول صلى الله عليه وسلم الأراضي المحتكرة من قبل هذه القبائل، وجعل تلك الأراضي مشاعا للمسلمين، وقال حينها رسول الله: “لاحمى إلا لله ورسوله”.

كما أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصدر تشريعات لحماية المسلمين من إحتكار الأراضي حين قال: “ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين”. وبذلك كانت الأراضي البيضاء تسحب ممن لا يستخدمها خلال ثلاث سنوات.

أما شيخ الإسلام إبن تيمية، فقد كان واضحا في تشريع كيفية التعامل مع المحتكرين، حيث يقول في حديثه عن الإحتكار: “وعندما تحرم الشريعة الإسلامية الاحتكار فإنها لا تترك المحتكرين يستفيدون من احتكارهم بل توجب على ولي الأمر أن يقوم ببيع الأموال المحتكرة جبرا عن محتكريها بثمن المثل فلو امتنع المحتكر عن بيعها بالمثل باعها ولي الأمر ودفع لصاحبها ثمن المثل”.

قانون مكافحة إحتكار الأراضي في الكويت
في بداية السنة الحالية بدأ في الكويت تطبيق قانون جديد للعقار يهدف لمنع الإحتكار وتقليل أسعار الأراضي البيضاء المخصصة للسكن، وذلك ليتمكن المواطن من شراءها بأسعار معقولة، حيث يمنع القانون الجديد الشركات والمؤسسات من امتلاك الأراضي المخصصة للسكن أو المتاجرة بها، كما يفرض على الأفراد الذين يمتلكون أراض تزيد مساحتها عن 5000 متر مربع ضريبة سنوية. ومنذ تطبيق القانون وأسعار الأراضي تتجه للإنخفاض، وهو نجاح متوقع لقانون منطقي يجب أن يكون إنموذجا لبقية الدول المجاورة وعلى رأسها السعودية.

حلول عملية لمشكلة إحتكار الأراضي وغلاء أسعارها
يشكل القانون الكويتي نموذجا مناسبا للإحتذاء به. كما تمثل قوانين غالبية دول العالم المتقدمة في ما يتعلق بالأراضي نماذج أخرى يمكن الإستفادة منها. وأنا على يقين بأن أسعار الأراضي لن تتعدى المائة ريال للمتر في غالب الأحياء السكنية لو طبقت قوانين مكافحة إحتكار الأراضي، وسأطرح ما أعتقد أنه الحل الأنسب لعلاج هذه المشكلة:

1- الزكاة: يفرض على جميع ملاك الأراضي البيضاء زكاة سنوية تمثل 2.5% من القيمة الافتراضية للأرض في السوق. وينفق ريع هذه المبالغ على مصارف الزكاة المعروفة.

2- الضريبة: ويمكننا تسميتها بإيجار الاستفادة من الأرض، حيث أن الأرض ملك للجميع، ومن يرغب بالإستفادة منها عليه دفع تعويض لمن لن يستطيع استخدامها وذلك من خلال دفع ضريبة للدولة التي تمثل جميع المواطنين، الضريبة يمكن ان تصل لعشرة بالمئة من القيمة السوقية للأرض.

3- إلغاء المتاجرة بالأراضي الجديدة: يجب أن تتوقف الدولة عن بيع الأراضي التي لم تمنح أو تشترى بعد، ويستبدل نظام بيع الأراضي بنظام تأجير الأراضي، بحيث تطرح الأراضي للمزايدة ويحصل على حق إستخدامها صاحب أفضل عرض، ولا يحق لمن يحصل على هذا الحق باعادة تأجيرها للآخرين، واذا قرر صاحب الحق الاستغناء عن الأرض لعدم حاجته، فيجب عليه إعادتها للدولة، ولا يحصل صاحب الحق على أي تعويض عند إرجاع الأراض، وتعرض الأرض في المزاد مرة أخرى.

خاتمة
في لعبة المونوبولي، عندما يتأخر اللاعب عن بقية اللاعبين، وتتراكم عليه تكاليف ايجارات وقوعه في عقارات اللاعبين الآخرين، فإنه لا يعجز عن دفع إجار مسكن يؤوي أبناءه، ولا يصعب عليه دفع قيمة الأدوية والعلاج، وتوفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة. لإنها في نهاية الأمر مجرد لعبة.

لقد كان المثل يضرب بقبح أفعال الإقطاعيين في القرون الماضية، رغم أنهم كانوا يزرعون الأراضي ويعيلون مئات الأسر، ويساهمون في إنتاج المحاصيل الزراعية الضرورية، بينما الإقطاعيون الجدد الذين يعيشون بيننا يحتكرون مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء التي لا تنتج ريالا واحدا، ولكنها تجعل حياة كل المواطنين أصعب، ليزداد الاقطاعيون الجدد ثراء على حساب حياة المواطن المغلوب على أمره.

إن ما يحدث من احتكار للأراضي ورفع لأسعارها أمر لا يبرره عقل ولا منطق ولاشرع وكل من له يد في ذلك يجب أن يصحو ضميره، فكل زيادة في أسعار الأراضي تسهم في تحويل مئات العوائل للبؤس، وتمنع زواج عازب، وتنغص حياة الكثيرين، فالمواطن السعودي يدفع (عمليا) ضريبة لكل شيء ينفقه، ولكن هذه الضريبة بدل أن تذهب لخزائن الدولة، فإنها تذهب لجيوب ملاك الأراضي والعقار، واذا كان من المستبعد أن تصحو ضمائر التجار، فواجب الدولة أن تضرب بيد من حديد وتفرض القوانين التي تحمي المواطنين من الإستغلال والجشع، وتقوم (بتأميم) الأراضي البيضاء الشاسعة، وفرض الضرائب على بقية الأراضي المملوكة للأفراد، وإيقاف المتاجرة بمزيد من الأراضي البيضاء.

الأرض هبة من الله، وليس من حق أحد أن يحتكرها، كغيرها من الموارد الطبيعية، والأراضي في أي دولة يجب أن تكون ملكا للجميع، تؤجرها الدولة لمن يريد (استخدامها)، ويدخل ريع تأجيرها لخزائن الدولة.

على الدولة والمسؤولين والمواطنين أن يتحركوا سريعا لحل هذه الأزمة التي تمس كل مواطن، وعلى مجلس الشورى أن ينهي النقاشات البيزنطية ويقر اقتراحات فرض الضريبة على الأراضي بأسرع وقت، فالتقارير تشير إلى تزايد سكاني كبير وزيادة متصاعدة في الطلب على المساكن، وعلينا أن نحل المشكلة قبل أن تستفحل ويستعصي علاجها وتتفاقم آثارها الجانبية، ولنقف صفا واحدا في وجه الإحتكار، حتى لا تتحول بلادنا الى لوح… مونوبولي…


هناك تعليقان (2):

  1. خالد العبدالله3 يوليو 2013 في 7:20 ص

    مقال صحيح عن الاحتكار و الله يعطيك العافيه و اشكرك على صدقك لذكر المصدر

    ردحذف
    الردود
    1. منور التدوينة اخوي {خالد العبدالله} وفعلاً هذا هو حال الاحتكار في السعودية
      لبد من ذكر المصدر واعيد منور التدوينة واالمدونة

      حذف